مصر: التعديلات الدستورية المقترحة.. تعزيز لنظام الاستبداد وحكم الفرد

f46ba166-1bfd-4068-a273-4a7f46b4ad35.jpg

جنيف- تقبل مصر على إجراء استفتاء عام من المرجح أن يتم قبل نهاية الشهر الجاري بشأن تعديلات دستورية واسعة اقترحها أعضاء مجلس النواب وايدتها الاغلبية التي تهيمن على هذه الهيئة التشريعية، فيما أثارت هذه التعديلات استياء المواطن المصري وقابلتها معارضة شديدة وانتقادات حقوقية.

وقال مجلس جنيف للحقوق والحريات في تقرير أعده حول التعديلات الدستورية المقترحة في مصر، إن هذه التعديلات تمثل وصفة لتعزيز النظام المستبد والحكم الفردي والقضاء على أي مظاهر للديمقراطية وفرص التداول السلمي على السلطة.

إن طرح هذه التعديلات يأتي في ظل قيادة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي البلاد في ظل أسوأ أزمة حقوقية وامنية منذ عقود تعمل على القضاء على المعارضة وقمع المجتمع المدني.

كما تشير له التقارير الموثقة عن استخدام الأمن المصري بشكل منهجي التعذيب الجسدي والنفسي وممارسة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري على نطاق واسع لإسكات المُعارضة السياسية والتضييق على الحريات العامة.

التلاعب في صياغة الدستور
عرضت التعديلات الدستورية الجديدة على البرلمان المصري الموالي للسلطة في 3 فبراير/شباط 2019 وتم إقرارها بالأغلبية بمجموع 485 صوت من إجمالي 596 نائبا.

وقوبل ذلك باعتراض واسع من المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني وأحزاب سياسية في مصر وخارج مصر وقد أكدت الانتقادات في مجملها أنه أياً كانت أغلبية البرلمان الحالي فهي لا تملك الحق في تعديل الدستور كونه سيعبر عن لحظة سياسية معينة، من دون اعتبار لمنطق الأغلبية والأقلية.

وتصر السلطات في مصر على أن يتم الاقتراع في الاستفتاء على مجموع التعديلات دون تجزئتها ما يعني أنه لن يستطيع الناخب الموافقة على بعض المواد ورفض بعضها الآخر.

وتخوفا من شبح المقاطعة الشعبية لجأ الرئيس المصري هذا الأسبوع الى إصدار قرارات لامتصاص غضب الشارع واستقطاب أصوات الناخبين لتمرير التعديلات الدستورية حيث قرر رفع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة من 1200 إلى 2000 جنيه (من 69.44 إلى 115.74 دولار).
كما أقر زيادة في معاشات التقاعد بنسبة 15% بحد أدنى 150 جنيها، ورفع الحد الأدنى لمعاش التقاعد إلى 900 جنيه .
وقرر ايضا منح جميع العاملين بالدولة علاوة إضافية استثنائية قيمتها 150 جنيها، “للعمل على معالجة الآثار التضخمية على مستوى الأجور”. كما قرر منح العاملين بالدولة العلاوة الدورية بنسبة تتراوح بين 7 و10% من الأجر الوظيفي بحد أدنى 75 جنيها.
وكان الدستور الحالي قد اعتمد في مصر عام 2014، بعد عام على عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي وسجنه ومئات المعارضين حتى الآن.

سلطة مطلقة للسيسي وتخليده في الحكم
تسمح تعديلات الدستور المقترحة للاستفاء في مصر ببقاء السيسي في منصبه لمدة 12 عاما إضافية، على المدتين المحددتين بثماني سنوات في الدستور، إلى جانب استحداث مجلس أعلى لجميع الجهات والهيئات القضائية تحت رئاسته، ومنحه صلاحية تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا والنائب العام.

كما تتضمن اشتراط موافقة الجيش على تسمية رئيس الجمهورية لوزير الدفاع، وإضافة “حماية مدنية الدولة” إلى الاختصاصات الدستورية للمؤسسة العسكرية.

وينص الدستور الحالي لمصر على أنه: “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة” فيما تسمح التعديلات الجديدة بتمديد ولاية الرئيس من 4 إلى 6 أعوام.

كما تتضمن التعديلات “مادة انتقالية” من شأنها أن تسمح للرئيس الحالي بعد انتهاء ولايته، بالترشح لفترتين أخريين. وبالتالي فإن التعديلات تمهد لبقاء السيسي الذي ستنتهي ولايته الثانية عام 2022، في السلطة حتى عام 2034.

وبهذه التعديلا يكون الرئيس السيسي قد ركز السلطة في قبضته وحصن بشكل محكم صلاحياته الشخصية ووضع حاجزا امام إمكانية الانتقال السلمي للسلطة.

تهديد استقلالية العدالة ومؤسسات الدولة
تشمل التعديلات المقترحة منح القوات المسلحة سلطة التدخل في الحكم من خلال جعل الجيش « مسؤولا عن صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد » كما سيصبح تعيين وزير الدفاع من صلاحيات المجلس الاعلى للقوات المسلحة.

إضافة إلى ذلك، من شأن التعديلات أن تقوض بشكل أكبر استقلال السلطة القضائية من خلال منح السيسي سيطرة أقوى على تعيين قضاة كبار، ونزع سلطة قضاة مجلس الدولة إلى حد كبير على تنقيح التشريعات قبل أن تصبح قانونا.

كما من شأن التعديلات منح اختصاص أوسع للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين وهو ما يعزز قبضة النظام الحالي المدعوم من الجيش في خنق الحريات العامة عبر المنح الرسمي للقوات المسلحة سلطات غير محدودة بما يهدد وضع حقوق الإنسان في البلاد.

قمع الاصوات المعارضة للتعديلات الدستورية:
يتابع مجلس جنيف للحقوق والحريات بقلق انتهاكات للسلطات المصرية للحريات وقمع أي جهة معارضة للتعديلات الدستورية المصرية بما في ذلك منع الحق في التجمع السلمي عبر تظاهرات مناهضة للتعديلات، واعتقال معارضين ونشطاء حقوق إنسان وصحفيين ومدونين والتحريض عليهم على خلفية مواقفهم الرافضة للتعديلات. وقد شمل هذا القمع الاسرة الفنية حيث اقدمت نقابة المهن التمثيلية المصرية مؤخرا وبإيعاز من السلطة على شطب اسمي الممثلين عمرو واكد وخالد أبو النجا بسبب مشاركتهما في جلسات بالكونغرس الأمريكي للحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر والتعديلات الدستورية.

وتتورط السلطة المصرية بممارسة إرهابا فكريا وإعلاميا لمنع أي معارضة للتعديلات الدستورية المقترحة وقمع حرية الرأي والتعبير بما يؤكد طبيعة هذه التعديلات وأن هدفها الحقيقي تكريس سلطة النظام فقط.

وفي 28 آذار/مارس الماضي أصدرت محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة قرارا بشأن “إلغاء تنظيم وقفة دعت لها (الحركة المدنية) أمام مجلس النواب المصري كان من المقرر إقامتها في اليوم الثاني من الموعد المذكور للاحتجاج على التعديلات الدستورية.

وقضت المحكمة بتأييد قرار وزير الداخلية، بإلغاء الوقفة المزمع إقامتها بزعم “تهديد هذه الوقفة للأمن العام، وذلك لطلب إقامتها في مكان مخالف لقرار محافظة القاهرة، رقم 13867 لسنة 2013 بتحديد منطقة التظاهرات بجوار حديقة الفسطاط، فضلًا عن إمكانية اندساس العناصر الإرهابية ضمن الوقفة والاعتداء على المشاركين فيها.

وكان القائمون على الوقفة أعلنوا أنها ستكون أمام مجلس النواب ونلتزم بسلمية الوقفة وشعارها الأساسي لا لتعديل الدستور ومطالبها رفض تعديل الدستور وانتهاك مبادئه الحاكمة وإتاحة فرصة لمعارضي التعديل للتعبير عن موقفهم من خلال حوار مجتمعي حقيقي، وإتاحة المناخ المناسب لمناقشة حرة.

ويرى مجلس جنيف للحقوق والحريات أن القرار القضائي بإلغاء الوقفة الاحتجاجية المذكورة يخالف القانون الدولي والمواثيق والأعراف الأممية التي تكفل حرية التعبير عن الرأي والاحتجاج السلمي وتقضي بضرورة احترام السلطات لهذا الحق وعدم عرقلته بأي شكل.

كما أن منع الوقفة الاحتجاجية المذكورة يعكس إقرار من السلطة الحاكمة في مصر بالرفض الشعبي والمدني الواسع في البلاد للتعديلات المقترحة على الدستور وتكرس نظام سلطوي يقمع المعارضة ويرفض الرأي الأخر.

التعديلات المقترحة تتنافى مع مبادئ الحقوق المدنية والسياسية:

يعتبر مجلس جنيف للحقوق والحريات بأن التعديلات الدستورية المقترحة في مصرخانقة بدرجة كبيرة وتمثل تعزيزا لنظام أكثر ديكتاتورية وشمولية من الانظمة السابقة في مصر، بما ينتهك التزامات وتعهدات الحكومة المصرية الدولية بموجب “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” والقانون الدولي والمواثيق الأممية.

ويشدد المجلس على أن زيادة مدد الرئاسة في التعديلات المطروحة أمام البرلمان (محظورة) بموجب المادة (226) من الدستور الحالي الذي يحظر كذلك تولي رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للهيئات القضائية.

كما تمس التعديلات المقترحة جوهر الدستور، كونها تعطي الحق لرئيس الجمهورية لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، بما يشكل إهداراً لمبدأ الفصل بين السلطات، ويتعارض مع مقومات الدستور الأساسية.

كما تتنافى مسألة تخصيص كوتة للمرأة بواقع ربع مقاعد مجلس النواب، مع المادة الدستورية المتعلقة بالحق في اختيار النظام الانتخابي، لأنه يدفع المشرع لاختيار نظام القائمة المطلقة (المغلقة)، ويحرمه من اختيار نظام انتخابي آخر، بحجة ضمان نسبة المرأة، فضلاً عن تعارضه مع مبدأ عدم التمييز بين المواطنين، الذي نص عليه الدستور في المادة (53) منه.

ويجدد مجلس جنيف التأكيد على أن الديمقراطية تقوم في الأساس على فكرة وجود سلطات ومؤسسات مستقلة كل منها عن الأخرى، ثم على مبدأ التوازن بين السلطات، فلا تسيطر السلطة التنفيذية على التشريعية أو القضائية، بل تكون التشريعية رقيبا والقضائية حكما، أما المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة فمهمتها حماية الحدود والدفاع عن أراضي الوطن.

ومن خلال التعديلات المقترحة سيتم ترسيخ سلطة الفرد (ممثلا برئيس الجمهورية) بشكل أكبر مع استمرار الادعاء بأن هذا ترسيخ لدولة المؤسسات وأنها إرادة الشعب، بجانب إضافة وضع خاص جديد للمؤسسة العسكرية، لتكون هي المتحكّم والمسيطر على كل أوجه الحياة السياسية مستقبلا، تحت شعار حماية الدولة وحماية المدنية وحماية الديمقراطية رغم أن ذلك كله يحمل انتهاكات جسيمة للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

التعديلات المقترحة في ثمان نقاط اساسية
١/ انتخاب رئيس الجمهورية لفترتين مدة كل فترة ست سنوات.
٢/ استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية.
٣/منح صلاحيات موسعة للرئيس في اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، والنائب العام، ورئيس المحكمة الدستورية العليا.
٤/ تقييد صلاحيات الرئيس المؤقت وعدم السماح له بالترشح للمنصب الرئيس.
٥/ استحداث غرفة برلمانية الى جانب مجلس النواب ويطلق عليه اسم مجلس الشيوخ.
٦/ تخصيص ربع مقاعد البرلمان للمرأة .
٧/ اعادة النظر في مسألة تعيين وزير الدفاع بحيث تسند هذه الصلاحية الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة.
٨/ تضمن الدولة تمثيل الشباب والمسيحيين وذوي الاعاقة في اول مجلس للنواب ينتخب بعد اقرار التعديلات الدستورية بشكل نهائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

scroll to top