جنيف- يعيش نحو 400 ألف لاجئ فلسطينيفي في لبنان منهم أكثر من 170 ألف لاجئ موزعين على مخيمات اللجوء، ويشكل هذا العدد نسبة 9 بالمائة من مجموع الفلسطنيين المسجلين فيوكالة الغوث الدولية (الأونروا) عبر العالم، وقرابة 11 بالمائمة من مجموع سكان لبنان ورغم ذلك لم تصدر الدولة سوى عددا قليلا من القوانين والمراسيم المتعلقة بهم، ما خلف فراغاً قانونيا يؤدي إلى سوء أوضاعهم.
ويسلط هذا التقرير الذي أعده مجلس جنيف للحقوق والعدالة على الاوضاع الصعبة التي يعيشها هؤلاء اللاجئين في ظل تلك الفراغات القانونية وغياب الحماية لحقوقهم الأساسية.
تسببت نكبة عام 1948 (التهجير الذي تلا إنشاء دولة إسرائيل) بعواقب أثرت بشكل جذري على حياة الفلسطينيين وأحفادهم حتى بعد انقضاء عدة سنوات. وبالمقارنة مع اللاجئين في أماكن أخرى من العالم، فإن اللاجئين الذين يعيشون في لبنان على وجه الخصوص يواجهون حالة غير مسبوقة من الاستبعاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إلى جانب ذلك، فإن أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان لا يملكون خياراً آخر غير العيش في مخيمات رديئة ومكتظة بالسكان، ويعيش الباقون في 27 تجمعا آخر.
إن المبالغة في التخوف من التوطين لدى فئات في السلطة والشعب اللبناني، أدت إلى الامتناع عن طرح حلول للحرمان من الحقوق الانسانية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، وأوقعت مآس عديدة ومعضلات لا تجد لها حلولاً.

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
وطوال سنوات عديد على إقامة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم تكتف السلطة اللبنانية بالاقتصار على منح حدود دنيا من الحقوق المدنية، بل اتخذت قرارات جديدة جعلت هذه الحقوق تتآكل باستمرار.
ويعتبر القانون اللبناني اللاجئ الفلسطيني أجنبياً، ذي حالة خاصة. فالأجنبي العادي مهما كانت جنسيته يحق له بعد اقامة مستمرة لسنوات خمس أن يطالب بالتجنيس.
فقد سبق أن التزم لبنان بقرار صادر من جامعة الدول العربية بمنع توطين الفلسطينيين وتم تكرسه في دستوره الحالي وبالقول حفاظاً على حق الفلسطينيين بالعودة الى وطنهم.
لكن التطبيق العملي القانوني يكرس التمييز على أسس طائفية ودينية أيضا. إذ تم تجنيس ما يقدر ب 50 ألف فلسطيني معظمهم من المسيحيين منذ 1950 حتى صدور قانون التجنيس الأخير في 1994، الذي اعاد نحو 30 ألفاً من أبناء القرى السبعة – شيعة ومسيحيون – إلى الجنسية اللبنانية.
واستعرض معهد جنيف في التقرير نماذج لقوانين لبنانية تؤثر على أوضاع الفلسطينيين فيه، في الاقامة – المسكن – العمل – الضمان الاجتماعي – الملكية العقارية – التعليم – الحريات الديمقراطية والمهن الحرة وغيرها من المجالات.
الحرية والاقامة: عندما وصلت اعداد اللاجئين الكبيرة، هاربين من الحرب الاسرائيلية في فلسطين عام 1948، فتح لبنان حدوده دون اجراءات لاستقبالهم جميعاً.
وبعد أن اتضح بمرور الوقت ان اسرائيل لن تنفذ القرار الدولي 194 بإعادة اللاجئين الفلسطينيين، اتخذت السلطة اللبنانية عدة اجراءات عملية لتنظيم اقامة وسفر اللاجئين.
ففي العاشر من تموز 1962 صدر أول قانون لتنظيم اقامة الاجانب في لبنان، وأعيد صياغته بقانون رقم 319 بتاريخ 3 آب 1962، نص في البند الأول منه على تقسيم الاجانب لخمس فئات، خص الفلسطينيين في البندين 3 و4 بمنحهم بطاقات تسجيل صادرة عن المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، محدداً ان يعملوا لتسوية أوضاعهم القانونية للإقامة قبل 1962 لدى الأمن العام.
وأضيف لهذا قانون لاحقاً في 1975 استكمل أوضاع الفلسطينيين الذين لم يكونوا انجزوا أوراقهم، وبات كل فلسطيني منذ الك قادراً على الحصول على وثيقة سفر تمكنه من مغادرة لبنان والعودة اليه، صادرة عن الامن العام في وزارة الداخلية.
ولكن، بين فترة واخرى تتخذ السلطة اللبنانية قرارات قانونية تهدف لعرقلة سفر الفلسطينيين أو عودة المسافرين منهم. ففي اعقاب الغزو الاسرائيلي 1982، ادخل الأمن العام اللبناني شرط اثبات كل فلسطيني يرغب بالحصول على وثيقة السفر انه مسجل لدى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا).
فإذا علمنا أن عدة آلاف من اللاجئين لم يتم تسجيلهم على لوائح الاغاثة، فانهم فقدوا حقهم بالحصول على الوثائق، وهذا ما أثر على الأوضاع الاجتماعية لهؤلاء.
وفي الأول من ايلول 1995، اغتنمت السلطة اللبنانية مناسبة الاجراءات الليبية بطرد الفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو، ومن بينهم حملة الوثائق اللبنانية، لتثير زوبعة تعبئة مضادة لهم ولعودتهم، ولتتخذ قراراً قانونياً رقم 478 بتاريخ 22/09/1995 فيه شروطاً لمغادرة لبنان والعودة اليه من قبل الفلسطينيين، بفرض فيزا، بما منع عودة هؤلاء اللاجئين وحال دون لم شمل عائلاتهم.
ومن تداعيات تطبيق القانون المذكور ما يلي:
– شكل عقاباً جماعياً للفلسطينيين في لبنان، الامر الذي يخالف القانون اللبناني الذي ينص في المرسوم 1188 بتاريخ 28 تموز 1962 في مادته 22 على ان الفلسطيني الراغب بالسفر عليه الحصول على وثيقة سفر من الجهات المختصة. وبعد حصوله عليها ينتقل بين لبنان وخارجه بحرية، وله حق تجديد وثيقة السفر عن طريق البعثات اللبنانية في الخارج.
والإجراء الجديد يلغي عملياً صلاحية وثيقة السفر ويشترط الحصول على سمة خاصة ليعاد السماح بدخول حاملها الفلسطيني الى لبنان.
– عندما كانت السفارات اللبنانية في الخارج تتعامل بسلبية شديدة مع الفلسطينيين، فقد أدى حرمانهم من تأشيرة الدخول الى بقاء عشرات الالاف في الخارج محرومين من العودة الى لبنان، علماً ان القرار 478 لم يعط مهلة للفلسطينيين لترتيب أوراقهم خلالها بشكل قانوني.
– امتنع الفلسطينيون عموماً عن السفر للخارج بعد صدور القرار لفترة طويلة، أولاً حتى يتم اتخاذ الاجراءات الادارية التطبيقية من الامن العام اللبناني، وثانياً بسبب الخشية ان لا يسمح لهم إذا خرجوا بالعودة تحت غطاء حجج جديدة، مما ادى الى ضائقة اقتصادية شديدة، علماً ان حق العمل للفلسطيني غير متوفر في لبنان آنذاك.
– ارتكبت السلطة اللبنانية مخالفة واضحة لالتزامات لبنان العربية، رغم انه سبق ان وقع على بروتوكول الدار البيضاء في ايلول 1965، الصادر عن القمة العربية، والذي ينص على ان يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها، معاملة رعايا الدول العربية، في سفرهم واقامتهم… مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية.
– نصت المعاهدات الدبلوماسية الدولية على اعتماد وجوب قبول البلد المصدر لجواز أو وثيقة السفر، مع عودة حامله اليه وإلزامه بذلك دون باقي الدول. وبذلك يخالف لبنان الاتفاقيات الدولية بطرده عملياً للفلسطيني الى دول اخرى دون موافقتها، ومنع عودتهم اليه.
الحق في السكن:
يعاني الفلسطينيون من قوانين وقرارات تتحكم بسكنهم بشكل فعال. فمنذ اللجوء اسكنوا في مخيمات للاجئين محدودة المساحة. بموجب عقود ايجار بين الدولة والأونروا وأصحاب عدد من الاراضي.
وامتنعت الحكومة اللبنانية سياسياً عن منح اية قطعة ارض لإقامة أي مخيم جديد لاستيعاب المواليد الجدد. وقد مرت ثلاثة اجيال حتى الان، منذ اللجوء، ومازالت مساحة المخيمات ذاتها، يمنع توسيعها افقياً. وكان الامن العام اللبناني قد أصدر قراراً بمنع البناء عامودياً في المخيمات، مما دفع الكثيرين للبحث عن مأوى في مناطق فقيرة أي بما كان يسمى حزام الفقر حول المدن، خاصة العاصمة بيروت.
حق العمل:
يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من معدلات بطالة مرتفعة جداً، والكثير من العائلات تعتمد على المبالغ المرسلة من ابنائها الذين يعملون خارج لبنان.
وفي عام 2010 صدر قانون يسمح بعمل الفلسطينيين على أن يحصلوا على إجازة من وزارة العمل لكن المهنيين كالمهندس والطبيب يخضعون لأنظمة النقابات التي عادة تشترط المعاملة بالمثل أو ممارسة المهنة في بلده مسبقاً بما أدى لطردهم من المزاولة القانونية عملياً.
– حق التمثيل والمرجعية:
لا تعترف الدولة اللبنانية للفلسطينيين رسمياً لهم بحق ادرتهم الذاتية لشؤون المخيمات أو التجمعات الخاصة بهم، ولا تشركهم باي قرار يتعلق بهم أو بالمناطق التي يعيشون فيها.
وبصورة عامة فان الاعتراف بالتمثيل الفلسطيني سرعان ما افرغت السلطة اللبنانية مفاعيله الضرورية، فالأمر القائم حالياً اعتراف رسمي بمنظمة التحرير الفلسطينية مع وجود تمثيل لسفارة السلطة الفلسطينية في 2008، واعتراف فعلي بخصوصية المخيمات، ولكن بفرض حصار على مداخلها وإغلاق مداخل المخيمات جماعياً على سكانها عند الضرورة.
– الحق في التعليم:
الأونروا هي في المبدأ الجهة التي تتحمل العبء الرئيسي والأهم في تعليم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فلها مدارسها الخاصة التي تقبل من يشاء من الفلسطينيين في متابعة الدراسة لديها للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ويضاف لها التأهيل المهني.
ومؤخرا استحدثت الأونروا صفوف للثانوية في بيروت وصيدا وصور، بعد أن طرد الطلاب الفلسطينيون منها بقرار، ففي الجامعة والمدارس الحكومية اللبنانية، يسمح بدخول الكليات ضمن النسبة المسموحة للأجانب (10%) ويمنع عنهم كلية التربية ودار المعلمين، لتخريجا مدرسين يشترط بهم الحصول على الجنسية اللبنانية منذ عشر سنوات.
المدارس الخاصة تستقبل عموماً الفلسطينيين، طالما كانوا قادرين على دفع الاقساط والتكاليف، وهي باهظة عموماً، ومن النادر للمدارس الفئوية الدينية قبولهم.
وتشير التقديرات الى أن هناك نحو 3000 طالب جامعي، 2500 طالب ثانوي اضافة لطلاب الابتدائي والمتوسط، مع ملاحظة تسرب عدد كبير من الاطفال خارج الدراسة بسبب الفقر لأسرهم.
الخدمات الصحية:
لا تقدم الدولة اللبنانية اية خدمات أو علاج للاجئين لفلسطينيين وتطعيم الاطفال ومكافحة الأوبئة توفرها الأونروا والتي بدورها تخصص موازنة ضئيلة للعناية الصحية، في عيادات لها ببعض المخيمات، لكن التحويلات الى المستشفيات فتتعاقد مع المستشفيات اللبنانية الخاصة والحكومية على أن تساهم بجزء محدود مما يضطر المرضى للمشاركة في المصاريف وهي باهظة الثمن.
– المخيمات وصحة البيئية:
منذ إنشاء المخيمات، وهي تحت اشراف الأونروا، ورغم الازدياد السكاني منذ عام 1948 بنسبة 300% أي من 100 ألف لاجئ الى 350 الفاً، الا ان المساحة لم تتغير مما أدى الى الاكتظاظ السكاني وسوء الوضع الصحي في المخيمات خاصة في ظل انعدام البنية التحتية.
وأكد مجلس جنيف للحقوق والعدالة في ختام تقريره على ضرورة منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم الأساسية في ظل منع توطين الفلسطينيين في لبنان بشكل صريح منذ اتفاقية الطائف عام 1989.
وشدد على أن الفلسطينيين في لبنان يتفقون بالإجماع على قبولهم التخلي عن المواطنة مقابل حصولهم على حقوقهم المدنية كالحق في حرية العمل في أيٍ من المجالات على أن يتم التعامل معهم وتعويضهم كالموظفين اللبنانيين.
كما حث المعهد الحقوقي على وجوب تقديم المجتمع الدولي الدعم اللازم للحكومة اللبنانية حتى تستطيع منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الأساسية، بما فيها السماح لهم بعيش حياة كريمة بينما يتم حل قضيتهم ليعودوا إلى موطنهم الأصلي.